الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معجم مقاييس اللغة ***
(عرز) العين والراء والزاء أصل صحيح يدلُّ على استصعابٍ وانقباض. قال الخليل: استعرز عليَّ مثل استعصب. وهذا الذي قال صحيح، وحجّته قولُ الشّمّاخ: وكلُّ خليلٍ غير هاضِمِ نفِسه *** لوصلِ خليلٍ صارمٌ أو مُعارِزُ أراد المنقبِض عنه. والعرب تقول: "الاعتراز الاحتراز"، أي الانقباضُ داعيةُ الاحتراز. يَنْهَون عن التبسُّط والتذرُّع، فربما أدَّى إلى مكروه. ويقال العَرْز: اللَّوم والعَتْب في بيت الشماخ، وهو يرجع إلى ذاك الذي ذكرنا. (عرس) العين والراء والسين أصل واحد صحيح تعود فروعُه إليه، وهو الملازمة. قال الخليل: عَرِس به، إذا لزِمَه. فمن فروع هذا الأصل العِرْس: امرأة الرَّجل، ولبُؤة الأسد. قال امرؤ القيس: كذَبتِ لقد أُصِبي على [المرء] عِرسَه *** وأمنعُ عرسي أن يُزنَّ بها الخالي ويقال إنّه يُقال للرجُل وامرأتِه عرسانِ؛ واحتجُّوا بقول علقمة: * أُدْحِيَّ عِرْسَينِ فيه البيضَ مركومُ * ورجل عَرُوسٌ في رجال عُرُس، وامرأةٌ عروسٌ في نسوةٍ عرائس وعُرُس. وأنشد: جَرَّتْ بها الهُوج أذيالاً مظاهرة *** كما تجرُّ ثياب الفُوَّةِ العُرُسُ وزعم الخليل أنّ العَرُوس نعتٌ للرّجُل والمرأة على فَعُول وقد استويا فيه، ما داما في تعريسهما أياماً إذا عَرَّس أحدهما بالآخَر. وأحسنُ [من] ذلك أن يقال للرجل مُعْرِس، أي اتَّخذَ عَروساً. والعرب تؤنّث العُرُْس. قال الراجز: إنا وجَدْنا عُرُس الحَناطِ *** مذمومةً لئيمةَ الحُوَّاط وقال في المُعْرِس: يمشي إذا أخذ الوليدُ برأسِهِ *** مشياً كما يمشي الهجين المُعْرِسُ قال أبو عمرو بن العلاء. يقال: أعرَسَ الرّجلُ بأهله، إذا بَنَى بها، يُعرِس إعراساً، وعَرَّس يُعرِّس تعريساً. وربَّما اتسعوا فقالوا للغِشْيان: تعريس وإعراس. ويقال: تعرَّس الرّجلُ لامرأته، أي تحبَّب إليها. قال يونس: وهو ما يدلُّ على القياس الذي قِسناه. [و] عَرس الصبيُّ بأمِّه يَعْرَس، تقديره علِمَ يعلم، وذلك إذا أُولِعَ بها ولزِمَها. وكذلك عَرِسَ الرّجلُ بصاحبه. قال المعقِّر: * وقد عَرِسَ الإناخة والنُّزُولاَ * وذكر الخليل: عَرِسَ يَعرَسُ عَرَساً، إذا بَطِر، ويقال: بل أعيا ونَكَل. وهذا إنِّما يصحُّ إذا حُمِل على القياس الذي ذكرناه، وذلك أنْ يَعرَس عن الشَّيءِ بالشَّيء. قال الأصمعيّ: عَرِسَتِ الكلابُ عن الثَّور، أي بَطِرَتْ عنه. وهذا على ما ذكرناه كأنّها شُغِلَتْ بغيره وعَرِسَتْ. قال يعقوب: العِرْس من الرِّجال: الذي لا يبرح القِتال، مثل الحِلْس. وقال غيره: رجل عَرِسٌ مَرِسٌ. ومن الباب العِرّيسُ: مأوَى الأسد في خِيسٍ من الشجر والغِياض، في أشدِّها التفافاً. فأمّا قول جرير: * مُستحصِدٌ أجَمِي فِيهمْ وعِرِّيسِي * فإِنَّه يعني منبِت أصلِه في قَومِه. ويقال عِرِّيس وعِرِّيسة. وتقول العرب في أمثالها: * كمُبتَغِي الصَّيد في عِرِّيسَةِ الأسدِ * ومن الباب التَّعريس: نُزول القوم في سفَرٍ من آخِر الليل، يقعون وَقْعةً ثم يرتحلون. قلنا في هذا: وإِنّ خَفّ نزولُهم فهو محمولٌ على القياس الذي ذكرناه، لأنَّهم لا بدَّ [لهم] من المقام. قال زهير: وعرَّسُوا ساعةً في كُثْب أسْنُمَةٍ *** ومنهمُ بالقَسُوميّاتِ مُعتَرَكُ وقال ذو الرُّمَّة: معرّساً في بياض الصُّبح وَقْعتُه *** وسائر السَّير إلاّ ذاك مُنجذِبُ ومن الباب: عَرَستُ البعيرَ أعرِسُهُ عَرْساً، وهو أن تشدَّ عنقه مع يديه وهو باركٌ. وهذا يرجع إلى ما قلناه. وممّا يقرُب من هذا الباب المعرَّس: الذي عُمِلَ لـه عُرْس، وهو الحائطُ يُجعَل بينَ حائِطَي البَيْت، لا يبلغ به أقصاه، ثم يوضع الجائز من طرف العَرس الداخل إلى أقصى البيت، ويسقّف البيتُ كلُّه. ومن أمثالهم: "لا مَخْبأَ لعِطرٍ بعدَ عروس"، وأصله أن رجلاً تزوّجَ امرأةً فلمَّا بنَى بها وجدها تَفِلَة، فقال لها: أين الطِّيب؟ فقالت: خَبَأته! فقال: لا مخبأَ لعطرٍ بعدَ عَروس. (عرش) العين والراء والشين أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على ارتفاعٍ في شيء مبنيّ، ثم يستعارُ في غير ذلك. من ذلك العَرْش، قال الخليل: العرش: سرير الملِك. وهذا صحيحٌ، قال الله تعالى: {وَرَفَعَ أبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف 100]، ثم استُعير ذلك فقيل لأمر الرّجُل وقِوامه: عرش. وإذا زال ذلك عنه قيل: ثُلَّ عَرشُه. قال زهير: تداركتُما الأحلافَ قد ثُلَّ عرشُها *** وذُبْيانَ إذْ زَلّت بأقدامها النَّعلُ ومن الباب: تعريش الكَرْم، لأنّه رفعه والتوثُّق منه. والعريش: بناءٌ من قُضبانٍ يُرفَع ويوثَّق حتَّى يظلّل. وقيل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يومَ بدرٍ: "ألاَ نَبْنِي لك عريشاً". وكلُّ بناء يُستَظَلُّ به عَرْشٌ وعَريش. ويقال لسَقْف البَيْت عَرْش. قال الله تعالى: {فَهي خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِها} [الحج 45]، والمعنى أنَّ السَّقف يسقُط ثم يتَهافت عليه الجُدرانُ ساقطةً. ومن الباب العَرِيش، وهو شِبْه الهَوْدَجِ يُتَّخَذ للمرأة تقعُد فيه على بعيرها. قال رؤبة يصف الكِبَر: إمَّا تَريْ دهراً حَنَاني حَفْضاً *** أطْرَ الصَّنَاعَينِ العريشَ القَعْضَا ومما جاء في العريش أيضاً قولُ الخنساء: كانَ أبو حسَّانَ عرشاً خَوَى *** ممّا بناهُ الدّهرُ دَانٍ ظليلْ فأمّا قولُ الطِّرِمَّاح: قليلاً تُتَلِّي حاجةً ثم عُولِيَتْ *** على كلِّ مَعروش الحصيرينِ بادنِ فقال قوم: أراد العَريش، وهو الهودج. وحِصيراهُ: جنْباه. ويقال: المعروش: الجمل الشَّديد الجنبَين. ومن الباب: عَرَشْتُ الكرم وعَرَّشْتُه. يقال: اعتَرش العنبُ، إذا علا على العَرش. ويقال: العُرُوش: الخِيام من خشبٍ، واحدُها عريش. وقال: * كوانِساً في العُرُش الدَّوامج * الدَّوامج: الدواخل. ومن الباب: عَرْش البِئر: طيُّها بالخشَب. قال بعضهم: تكون البئرُ رِخوةَ الأسفل والأعلَى فلا تُمسِكُ الطَّيَّ لأنَّها رَملة، فيعرَّش أعلاها بالخشَب، يُوضَع بعضُه على بعض، ثمَّ يَقُوم السُّقاة عليه فيستقون. وأنشد: وما لمَثَابات العُروشِ بقِيَّةٌ *** إذا استُلَّ من تحت العُروش الدَّعائم المَثَابة: أعلى البئر حيث يقوم السَّاقي. وقال بعضهم: العَرْش الذي يكون على فم البئر يقوم عليه السَّاقي. قال الشمَّاخ: ولما رأيت الأمر عرشَ هويّةٍ *** تَسَلَّيْتُ حاجاتِ الفؤادِ بشَمَّرا الـهَُويَّة: الموضع الذي يهوِي مَن يقوم عليه، أي يسقطُ.وقال الخليل: وإذا حَمَل الحمارُ على العانةِ رافعاً رأسَه شاحياً فاه قيل: عَرَّشَ بعانته تعريشاً. وهذا من قياس البابِ، لرفعِهِ رأسه. ومن الباب العُرْش: عُرْش العنُق، عُرشانِ بينهما الفَقار، وفيهما الأخْدَعَانِ، وهما لحمتانِ مستطيلتانِ عَدَاءَ العنُق، أي ناحيةَ العنق. قال ذو الرُّمَّة: وعبدُ يغوثٍ تَحْجُِلُ الطَّيْرُ حولَه *** قد احتَزَّ عُرْشَيه الحُسامُ المذكَّرُ وزعم ناسٌ أنَّهما عَرشان بفتح العين. والعَُرش في القَدَم. ما بين العَيْر والأصابع من ظَهر القَدَم، والجمع عِرَشَةٌ. وقد قيل في العُرْشَين أقوالٌ* متقاربة كرِهنا الإطالةَ بِذِكْرِها. ويقال إنّ عَرْش السِّماك: أربعةُ كواكبَ أسفَلَ من العوّاء، على صورة النَّعش. ويقال هي عَجُز الأسد. قال ابن أحمر: باتَتْ عليه ليلةٌ عَرْشِيَّةٌ *** شَرِيَتْ وباتَ إلى نقاً متهدِّدِ يصف ثوراً. وقوله: "شريت" أي ألحَّت بالمطر. (عرص) العين والراء والصاد أصلانِ صحيحان: أحدهما يدلُّ على إظْلال شيءٍ على شيء، والآخر يدلُّ على الاضطراب. وقد ذكر الخليلُ القياسين جميعاً. قال الخليل: العَرْص: خشبة توضَع على البيت عَرْضاً إذا أُريد تسقيفُه، ثم يُوضَع عليها أطرافُ الخشب. تقول عَرَّصت السّقفَ تعريصاً. وهذا الذي قاله الخليلُ صحيح، إِلاَّ أنَّ العَرْص إنما هو السَّقْف بتلك الخشبةِ وسائرِ ما يتمُّ به التسقيف. وقال الخليل أيضاً: العَرَّاص من السَّحاب: ما أظَلَّ من فوقُ فقرُبَ حتى صار كالسَّقْف، لا يكون إلاّ ذا رعدٍ وبرق. فقد قاس الخليلُ قياس ما ذكرناه من الإظلال في السَّقْف والسَّحاب. وأنشد: يَرْقَدُّ في ظِلِّ عَرَّاصٍ ويَطرده *** حفيفُ نافجةٍ عُثْنُونُها حَصِبُ ألا تَراهُ جعل له ظِلاًّ. والأصل الآخر الدالُّ على الاضطراب. قال الخليل: العَرّاص أيضاً من السَّحاب: ما ذهبت به الرِّيح وجاءت. قال: وأصل التعريص الاضطراب، ومنه قيل: رُمحٌ عَرَّاصٌ، لاضطرابه إذا هُزَّ. قال أبو عمرو: ويقال ذلِك في السَّيف أيضاً، وذلك لبَريقِه ولمَعانه. ورُمحٌ عَرَّاصُ المهزَّة، وبرقٌ عَرَّاص. قال: * وكلّ غادٍ عَرِصِ التَّبَوُّجِ * ومن الباب: عَرْصَة الدّار، وهي وَسْطها، والجمع عَرَصات وعِراص.قال جميل: وما يُبكيكَ من عَرَصاتِ دارٍ *** تَقَادَمَ عهدُها ودنا بِلاَها ويقال: سمِّيت عَرصةً لأنَّها كان ملعباً للصبيان ومُختَلَفاً لهم يضطربون فيه كيف شاؤوا. وكان الأصمعيُّ يقول: كلُّ جَوْبة مُنْفتقة ليس فيها بناءٌ فهي عَرصة. ومن الباب: العَرَصُ، وهو النَّشاط، يقال: عَرِصَ، إذا أشِرَ. قال: وتقول: حلبتها حَلَباً كَعَرص الهِرَّة، وهو أشَرُها ونشاطُها ولَعِبُها بيديها. واعتَرَصَ مثل عَرَص. قال: إذا اعترصْتَ كاعتراصِ الهِرّهْ *** أوشكتَ أن تسقُطَ في أُفُرَّهْ وقال أبو زيد: عَرَصَتِ السماء تَعْرِصُ عَرْصاً، إذا دام برقُها. وباتت السَّماء عَرَّاصةً. ويقال: غَيثٌ عَرَّاصٌ، أي لا يَسكُنُ برقُه. ومن الباب: عَرِصَ البيتُ. قال: هو من خُبْثِ الرِّيح. وهذا مع خُبْثِ ريحه فإنَّ الرّائحةَ لا تثبتُ بمكان، بل هي تضطرِب. ومن ذلك لحم مُعَرَّصٌ، قال قوم: هو الذي فيه نُهوءةٌ لم يَنْضَج. وأنشد: سيكفيك صَرْبَ القَومِ لحمٌ مُعَرَّصٌ *** وماءُ قُدُورٍ في القِصاع مَشُوبُ
(عرض) العين والراء والضاد بناءٌ تكثرُ فروعُه، وهي مع كثرتها ترجعُ إلى أصلٍ واحد، وهو العَرْض الذي يُخالف الطُّول. ومَنْ حَقَّقَ النظرَ ودقَّقه عَلِمَ صحَّة ما قلناه، وقد شرحنا ذلك شرحاً شافياً. فالعَرْض: خِلافُ الطُّول. تقول منه: عَرُض الشيء يعرُضُ عِرَضاً، فهو عريض. وقال أبو زيد: عَرُض عَرَاضَةً. وأنشد: إذا ابتدرَ القَوْمُ المكارمَ عَزَّهُمْ *** عَرَاضَةُ أخلاقِ ابن ليلَى وطولُها وقَوْسٌ عُرَاضَةٌ: عريضة. وأعْرضت المرأةُ أولادَها: ولدَتْهم عِرَاضاً، كما يقال أطالت في الطول. ومن الباب: عَرَضَ المتاعَ يَعْرِضُه عَرضاً. وهو كأنَّه في ذاك قد أراهُ عَرْضَه. وعَرَّض الشيءَ تعريضاً: جعلَه عَريضاً. ومن ذلك عَرض الجُنْد: أن تُمِرَّهم عليك، وذلك كأنَّكَ نظرتَ إلى العارضِ مِن حالهم. ويقال للمعروض من ذلك: عَرَضٌ متحركة، كما يقال قَبَضَ قَبَضاً، وقد ألقاه في القَبَض. وعَرَضُوهم على السَّيف عَرْضاً، كأنَّ السَّيف أخذَ عَرْضَ القوم فلم يَفُتْه أحد. وعَرَضْتُ العُود على الإناء أعْرُضُه بضم الراء، إذا وضعتَه عليه عَرْضاً. وفي الحديث: "هَلاّ خَمّرْتَه ولو بعُود تَعرُضُه عليه". ويقال في غير ذلك: عَرَض يعرِض، بكسر* الراء. وما عَرَضْتُ لفلانٍ ولا تَعرِضْ له، وذلك أن تجعل عَرْضَك بإزاء عَرْضِه. ويقال: عَرَض الرُّمْحَ يَعَرِضُه عَرْضاً. قال النّابغة: لهن عليهم عادةٌ قد عَرَفْنَها *** إذا عرضُوا الخَطِّيَّ فوقَ الكواثِبِ وعَرَضَ الفرسُ في عَدْوِهِ عَرْضاً، كأنَّه يُرِي النّاظرَ عَرْضَه. قال: * يَعْرِض حتَّى يَنصب الخيشومَا * قالوا: إذا عَدا عارضاً صدرَه، أو مائلاً برأسِه. ويقال: عَرَض فلانٌ من سلعته، إذا عارَضَ بها، أعطى واحدةً وأخذ أخرى. ومنه: * هل لَكِ والعارضُ مِنْكِ عائضُ * أي يعارضُكِ فيأخذُ منكِ شيئاً، ويُعطيكِ شيئاً. ويقال: عَرَضْتُ أعْواداً بعضَها على بعض، واعترضت هي. قال أبو دُواد: تَرَى الرِّيشَ في جوفِه طامياً *** كعَرْضِك فوق نِصَالٍ نصالا يصف الماءَ أنّ الرِّيشَ بعضُه معترضٌ فوق بعض، كما يعترض النَّصلُ على النَّصل كالصَّليب. ويقال: عَرَضْتُ له من حَقِّه ثوباً فأنا أعرِضُه، إذا كان له حقٌّ فأعطاه ثوباً، كأنَّه جَعَل عَرْضَ هذا بإزاء عَرضِ حَقِّه الذي كان له. ويقال: أعْيَا فاعتَرَض على البعير. وذكر الخليلُ: أعرضت الشَّيءَ: جعلتُه عريضاً. وتقول العرب: "أعْرَضْتَ القِرْفَةَ". وكان بعضهم يقول: "أعرضْتَ الفُرقة" ولعلَّه أَجود، وذلك للرجل يقال له: مَن تتَّهم؟ فيقول: أَتَّهمُ بني فلانٍ، للقبيلةِ بأَسْرها. فيقال له: أَعْرَضْتَ القِرفَة، أَي جِئتَ بتُهمةٍ عريضة تعترض القبيلَ بأسره. ومن الباب: أَعْرَضْتُ عن فلانٍ، وأعرضْتُ عن هذا الأمر، وأعرَض بوَجْهه. وهذا هو المعنى الذي ذكرناه؛ لأنّه إذا كان كذا ولاَّه عرضه. والعارض إنّما هو مشتقٌّ من العَرْض الذي هو خِلافُ الطُّول. ويقال: أعْرَضَ تلك الشَّيءُ من بعيدٍ، فهو مُعرضٌ، وذلك إذا ظهر لك وبدا. والمعنى أنّك رأيت عَرْضه. قال عمرو بن كُلثوم: وأعْرَضَت اليمامةُ واشْمَخَرَّتْ *** كأسيافٍ بأيدي مُصْلتِينا [و] تقول: عارضْتُ فلاناً في السَّير، إذا سرتَ حِيالَه. وعارَضْتُه مِثْلَ ما صَنَعَ، إذا أتيت إليه مثلَ ما أتى إليك. ومنه اشتُقَّت المعارَضة. وهذا هو القياس، كَأَنَّ عَرْض الشَّيء الذي يفعلُه مثلُ عَرْض الشيء الذي أتاه. وقال طفيل: وعارضْتُها رَهْوَاً على مُتَتابعٍ *** نَبِيلِ القُصَيْرَى خارِجيٍّ محنَّبِ ويقال: اعترَض في الأمر فلانٌ، إذا أدخَلَ نفسَه فيه. وعارَضْتُ فلاناً في الطّريق، وعارَضْتُه بالكتاب، واعترَضْتُ أُعْطِي مَن أقَبَلَ وأدبر. وهذا هو القياس. واعتَرَضَ فلانٌ عِرْضَ فُلانٍ يَقَعُ فيه، أي يَفعَل فِعلاً يأخُذ عَرْضَ عِرْضِه. واعتَرَضَ الفرسُ، إِذا لم يستَقِمْ لقائدِه. قال الطرِمَّاح: وأراني المليكُ رُشْدي وقد كُنْـ *** تُ أخا عُنْجُهيَّةٍ واعتراضِ وتعرَّض لي فلانٌ بما أكرَهُ. ورجل عِرِّيضٌ، أي متعرِّض. ومن الباب: استَعْرَض الخوارجُ النّاسَ، إذا لم يُبَالوا مَنْ قتلوا. وفي الحديث: "كُلِ الجُبْنَ عُرْضاً"، أي اعترِضْه كيف كان ولا تَسْأَلْ عنه. وهذا كما قلناه في إعْراض القِرْفة. والمُعْرِض: الذي يَعترِض النَّاس يستدين ممن أمْكَنه. ومنه حديث عمر: "ألاَ إنّ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ ادّانَ مُعْرِضاً ". ومن الباب العِرض: عِرْض الإنسان. قال قومٌ: هو حَسَبُه، وقال آخرون: نَفسه. وأيَّ ذلك كانَ فهو من العَرْض الذي ذكرناه. وأمّا قولهم إنّ العِرْض: ريحُ الإنسان طيّبةً كانَت أم غير طَيِّبة، فهذا طريق المجاوزة، لأنَّها لمّا كانت مِن عِرضِه سمِّيت عِرضاً. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّما هو عَرَقٌ يجري من أعراضهم" أي أبدانهم، يدلُّ على صِحَّة هذا. واستدلوا *على أنَّ العِرض: النَّفْسُ بقول حسَّانَ، يمدح رسولَ الله عليه الصلاة والسلام: هَجَوْتَ محمّداً فأجبتُ عنه *** وعند اللهِ في ذاك الجزاءُ فإنّ أبي ووالدَتي وعِرْضِي *** لِعِرض محمّدٍ منكم وِقاءُ وتقول: هو نقيُّ العِرْض، أي بعيدٌ من أن يُشتَمَ أو يعاب. ومن الباب: مَعاريضُ الكلام، وذلك أنَّه يَخرُج في مِعْرَضٍ غَير لفظِهِ الظاهر، فيُجعَل هذا المِعْرَض له كمِعْرَض الجارية، وهو لباسها الذي تُعْرَض فيه، وذلك مشتقٌّ من العَرْض. وقد قلنا في قياس العَرْض ما كَفَى. وزعم ناسٌ أن العربَ تقول: عرَفتُ ذاك في عَرُوضِ كلامِه، أي في مَعاريضِ كلامه. ومن الباب العَرْض: الجيش العظيم، وهذا على مَعنى التَّشبيه بالعَرْض من السَّحاب، وهو ما سَدَّ بعَرْضِه الأفُق. قال: * كنَّا إذا قُدْنا لقومٍ عَرْضَاً * أي جيشاً كأنّه جبلٌ أو سحابٌ يسدُّ الأفق، وقال دريد: نعيَّة مِنْسَر أو عَرْض جيشٍ *** تضيق به خُروق الأرضِ مَجْرِ
وكان ابنُ الأعرابي يقول: الأعراض: الجبال والأودَية والسحاب، الواحد عِرْض. كذا قال بكسر العين، ورُوِي عنه أيضاً بالفتح. وقال أبو عبيدة: العَرض: سَنَد الجبل. وأنشد: * ألاَ ترى بكلِّ عَرْض مُعْرِضِ * وأنشد الأصمعيّ: * كما تَدَهْدَى من العَرْض الجلاميدُ * والعَريض: الجَدْي إذا نَزَا [أو] يكاد ينْزو، وذلك إذا بلغ. وهذا قياسُه أيضاً قياسُ الباب، وهو من العَرْض، وجمعه عُِرْضانٌ. فأمّا عَرُوض الشِّعر فقال قوم: مشتقٌّ من العَرُوض، وهي النَّاحية، كأنّه ناحيةٌ من العِلْم. وأنشد في العَروض: لكلِّ أُناسٍ من مَعَدٍّ عِمارةٌ *** عَرُوضٌ إليها يَلْجَؤونَ وجانبُ وقال آخرون: العَريض: الطريق الصَّعب، ذلك يكون في عَرْض جَبَل، فقد صار بابُه قياسَ سائِر الباب. قالوا: وهذا من قولهم: ناقةٌ عُرْضِيَّة، إذا كانت صعبةً. ومعنى هذا أنّها لا تستقيم في السَّيْر، بل تعترض. قال الشَّاعر: ومَنَحتُها قولي على عُرْضِيَّةٍ *** عُلُطٍ أُدَاري ضِغْنَها بتودُّدِ ومن الباب: عُرْض الحائط، وعُرض المال، وعُرْض النَّهر، ويراد به وَسَطه. وذلك من العرض أيضاً. وقال لَبيد: فتوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وصَدَّعا *** مسجورةً متجاورا قُلاَّمُها وعُرْض المالِ من ذلك، وكلُّه الوسَط. وكان اللِّحياني يقول: فلانٌ شديد العارضة، أي الناحية. والعَرَض من أحداث الدَّهر، كالمرضِ ونحوه، سمِّي عَرَضاً لأنَّه يعترض، أي يأخذه فيما عَرض من جَسَده. والعَرَض: طمَع الدُّنيا، قليلاً [كان] أو كثيراً. وسمِّي به لأنّه يُعْرِض، أي يريك عُرْضَه. وقال: مَن كان يرجو بقاءً لا نفَادَ لـه *** فلا يَكُنْ عَرَضُ الدُّنيا لـه شَجَنا ويقال: "الدُّنيا عَرَضٌ حاضرٌ، يأخذ منه البَرُّ والفاجر". فأمَّا قوله: صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس الغِنَى عن كَثْرة العَرْض". فإِنِّما سمعناه بسكون الراء، وهو كلُّ ما كان من المال غيرَ نَقْد؛ وجمعه عُروض. فأمّا العَرَض بفتح الراء، فما يُصِيبه الإنسان من حَظِّه من الدُّنيا. قال الله تعالى: {وَإنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} [الأعراف 169]. وقال الخليل: فلانٌ عُرْضَة للنَّاس: لا يزالون يَقَعُون فيه. ومعنى ذلك أنّهم يعترضون عُرضَه. والمِعْراض: سَهمٌ لـه أربعُ قُذَذٍ دِقاقٍ، وإذا رُمِيَ به اعتَرَضَ. قال الخليل: هو السَّهم الذي يُرْمَى به لا رِيشَ له يمضي عرضاً. فأمَّا قولُهم: شديد العارضة، فقد ذكرنا ما قاله اللِّحياني فيه. وقال الخليل: هو شديد العارضة، أي ذو جَلَد وصَرَامَةٍ. والمعنيانِ متقاربانِ، أي شديد ما يَعرِض للنَّاس منه. وعارِضةُ الوجه: ما يبدو منه عند الضَّحك. وزَعَم أنَّ أسنان المرأة تسمَّى العوارض* والقياس في ذلك كلِّه واحد. قال عنترة: وكأنَّ فَارةَ تاجرٍ بقسيمةٍ *** سبقَتْ عوارضَهَا إليك من الْفَمِ ورجلٌ خفيف العارضَين، يعني عارضَي اللِّحية. وقال أبو ليلى: العوارض الضَّواحك، لمكانها في عَرْض الوَجْه. قال ابن الأعرابيّ: عارضا الرَّجُلِ: شَعْر خدَّيه، لا يقال للأمْرَدِ: امسَحْ عارِضَيك. فأمّا قولهم: يمشي العِرَضْنَى، فالنون فيه زائدة، وهو الذي يشتقُّ في عَدْوِه معترِضاً. قال العجاج: * تَعْدُو العِرَضْنَى خيلُهم حَراجلا * وامرأةٌ عُرْضةٌ: ضَخْمة قد ذَهَبَتْ من سمنها عَرْضاً. قال الخليل: العوارِض: سقائفُ المِحْمَل العراضُ التي أطرافها في العارضَين، وذلك أجمَعُ هو سَقْف المِحْمَل. وكذلك عوارضُ سَقْفِ البيت إذا وُضِعَتْ عَرْضاً. وقال أيضاً: عارضةُ البابِ هي الخشبةُ التي هي مِسَاكُ العِضادَتين من فَوق. والعَرْضِيُّ: ضربٌ من الثِّيابِ، ولعلَّ له عَرْضاً. قال أبو نُخَيلة: هَزَّتْ قَواماً يَجْهَدُ العَرْضِيَّا *** هَزَّ الجَنوب النَّخلةَ الصَّفِيَّا وكلُّ شيء أمكنَك من عَرْضِه فهو مُعْرِض لك، بكسر الراء. ويقال: أعرض لك الظَّبْيُ فارمِهِ، إذا أمكنك من عَرْضه؛ مثل أفقَرَ وأعْوَرَ. ومن أمثالهم: "فلانٌ عريض البِطان"، إذا أثْرَى وكثُر مالُه. ويقال: ضَرب الفحلُ النّاقَة عِراضاً، إذا ضربها من غير أن يُقادَ إليها. وهذا من قولنا: اعترض الشَّيء: أتاه من عُرْض، كأنّه اعتَرضَها من سائر النُّوق: قال الرّاعي: نجائبُ لا يُلقَحنَ إلاّ يَعارَةً *** عِرَاضاً ولا يُبْتَعْنَ إِلاّ غواليا وقال اللِّحياني: لقِحت النّاقةُ عِراضاً، أي ذهبتْ إلى فحلٍ لم تُقَدْ إليه. والعارض: السحاب، وقد مضى ذِكرُ قياسه. قال الله تعالى: {قَالُوا هذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنا} [الأحقاف 24]. والعارض من كلِّ شيء: ما يستقبلُك، كالعارض من السَّحاب ونحوه. وقال أبو عبيدة: العارض من السَّحاب: الذي يعرِض قُطر من أقطار السماء من العشيِّ ثم يُصبح قد حَبَا واستَوَى. ويقال لـه: العانُّ بالتشديد. ومن المشتق من هذا قولهم: مرّ بي عارضٌ من جَرَاد، إذا ملأ الأفق. ولفُلانٍ على أعدائه عُرْضِيَّة، أي صُعوبة. وهذا من قولنا ناقة عُرْضيّة، وقد ذكر قياسه. ويقال: إنّ التعريض ما كان على ظَهر الإبل من مِيرَة أو زاد. وهذا مشتقٌّ من أنّه يُعرَض على مَن لعلَّه يحتاج إليه. ويقال: عَرِّضوا من مِيرتكم، أي أطعمونا منها. قال: *حَمْراءَ من مُعَرِّضاتِ الغِرْبانْ * يصف ناقةً لـه عليها الميِرَة فهي تتقدَّم الإبل وينفتح ما عليها لسرعتها فتسقط الغِربان على أحمالها، فكأنَّها عَرَّضت للغِربان مِيرتَهم. ويقال للإبل التي تبعد آثارُها في الأرض: العُراضات، أي إنها تأخذ في الأرض عَرْضاً فَتِبين آثارُها. ويقولون: "إذا طلعت الشِّعرى سَفَراً، ولم تَرَ فيها مَطراً، فأرسل العُرَاضات أثَراً، يبغينك في الأرض مَعْمَراً ". ويقال: ناقةٌ عُرْضَةٌ للسَّفر، أي قويّة عليه. ومعنى هذا أنّها لقوَّتها تُعْرَض أبداً للسَّفر. فأمَّا العارضة من النُّوق أو الشّاء، فإنها التي تُذبح لشيءٍ يعتريها. وقال: من شواءٍ ليس مِن عارضةٍ *** بيدَيْ كلِّ هَضومٍ ذي نَفَلْ وهذا عندنا مما جُعِل فيه الفاعلُ مكانَ المفعول؛ لأنَّ العارضة هي التي عُرِض لها بمَرَضٍ، كما يقولون: سرٌّ كاتم. ومعنى عُرِض لها أنَّ المرض أعْرَضَها، وتوسَّعُوا في ذلك حتى بنوا الفِعل منسوباً إليها، فقالوا: عَرَِضَتْ. قال الشَّاعر: إذا عَرَِضَت منها كَهاةٌ سمينةٌ *** فلا تُهْدِ مِنْها واتَّشِقْ وتَجَبْجَبِ والعِرْض: الوادي، والعِرْض: وادٍ باليمامة. قال الأعشى: ألم تَرَ أنَّ العِرْضَ أصبحَ بطنُه *** نخيلاً وزرعاً نابتاً وفَصافِصا وقال المتلمِّس: فهذا أوانُ العِرْضِ حَيَّ ذُبَابُهُ *** زنابيرُه والأزرقُ المتلمِّسُ ومن الباب: *نظرتُ إليه عَرْض عين، أي اعترضتُه على عيني. ورأيت فلاناً عَرضَ عينٍ، أي لمحةً. ومعنى هذا أنَّهُ عَرَض لعيني، فرأيته. ويقال: عَلِقت فلاناً عَرَضاً، أي اعتراضاً من غير استعدادٍ منِّي لذلك ولا إرادةٍ. وهذا على ما ذكرناه من عِرَاضِ البَعير والنَّاقة. وأنشد: عُلِّقتُها عَرَضاً وأقتلُ قومَها *** زَعْمَاً لعمرُ أبيك ليسَ بِمَزْعَمِ ويقال: أصابه سَهْمُ عَرَضٍ، إذا جاءه من حيثُ لا يَدري مَن رماه. وهذا من الباب أيضاً كأنَه جاءه عَرَضاً من حيث لم يُقصَدْ به، كما ذكرناه في المِعْراض من السهام. والمعارض: جمع مَعْرَض وهي بلاد تُعْرَضُ فيها الماشيةُ للرّعْي. قال: أقول لصاحبيَّ وقد هبطنا *** وخلّفنا المَعَارِض والهضابا (عرف) العين والراء والفاء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدُهما على تتابُع الشيء متَّصلاً بعضُه ببعض، والآخر على السكون والطُّمَأنينة. فالأوّل العُرْف: عُرْف الفَرَس. وسمِّي بذلك لتتابُع الشَّعر عليه. ويقال: جاءَت القَطا عُرْفاً عُرْفاً، أي بعضُها خَلْفَ بعض. ومن الباب: العُرْفة وجمعها عُرَف، وهي أرضٌ منقادة مرتفِعة بين سَهْلتين تنبت، كأنّها عُرف فَرَس. ومن الشِّعر في ذلك … والأصل الآخر المعَرِفة والعِرفان. تقول: عَرَف فلانٌ فلاناً عِرفاناً ومَعرِفة. وهذا أمر معروف. وهذا يدلُّ على ما قلناه من سُكونه إليه، لأنَّ مَن أنكر شيئاً توحَّشَ منه ونَبَا عنْه. ومن الباب العَرْف، وهي الرَّائحة الطيِّبة. وهي القياس، لأنَّ النَّفس تسكُن إليها. يقال: ماأطيَبَ عَرْفَه. قال الله سبحانه وتعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد 6]، أي طيَّبَها. قال: إِلا رُبَّ يومٍ قد لَهَوْتُ ولَيْلَةٍ *** بواضحةِ الخدّين طيِّبة العَرْفِ والعُرْف: المعروف، وسمِّي بذلك لأنَّ النفوس تسكُن إليه. قال النابغة: فلا النُّكْرُ معروفُ ولا العُرْف ضائعُ أبَى اللهُ إِلاَّ عدلَه ووفاءه فأمَّا العَرِيف فقال الخليل: هو القيِّم بأمرِ قومٍ قد عَرَف عليهم. قال: وإنّما سمِّي عريفاً لأنَّه عُرِف بذلك. ويقال بل العِرَافة كالوِلاية، وكأنَّه سمِّي بذلك ليعرف أحوالهم. وأمَّا عرفات فقال قومٌ: سمِّيت بذلك لأنَّ آدمَ وحواءَ عليهما السلام تعارَفَا بها. وقال آخرون. بل سمِّيت بذلك لأنَّ جبريل عليه السلام لما علّم إبراهيم عليه السلام مَناسِكَ الحجّ قال له: أعَرفت ؟ وقال قومٌ: بل سمِّيت بذلك لأنَّه مكانٌ مقدَّس معظَّم، كأنَّه قد عُرِّف، كما ذكرنا في قوله تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد 6]. والوقوف بعَرَفاتٍ تعريف. والتعريف: تعريف الضَّالة واللّقْطَة، أن يقول: مَن يَعرِف هذا؟ ويقال: اعتَرَف بالشَّيء، إذا أقرَّ، كأنّه عَرفَه فأقرَّ به. ويقال: النَّفس عَروف، إذا حُمِلت على أمرٍ فباءت به أي اطمأنَّت. وقال: فآبُوا بالنِّساء مُرَدَّفاتٍ *** عوارفَ بعد كِنٍّ واتِّجاحِ من الوَُِجاح، وهو السِّتر. والعارف: الصابر، يقال أصابته مصيبةٌ فوُجِد عُرُوفاً، أي صابراً. قال النَّابغة: على عارفاتٍ للطِّعان عَوابِسٍ *** بهنَّ كلُومٌ بين دامٍ وجالِبِ
(عرق) العين والراء والقاف أربعة أصولٍ صحيحة: أحدُها الشَّيء يتولَّد من شيء كالنَّدَى والرَّشْح وما أشبهه. والآخَر الشَّيء ذو السِّنْخ، فسِنْخُه منقاسٌ من هذا الباب. والثالث كَشْط شَيءٍ عن شيء، ولا يكاد يكون إلا في اللّحم. والرَّابع اصطفافٌ وتتابعٌ في أشياء. ثم يُشتَقُّ من جميع هذه الأصول وما يقاربها. فالأوَّل العَرَق، وهو ما جرى في أصول الشَّعر من ماء الجِلْد. تقول: عرِقَ يعرَقَ عَرَقاً. قال: ولم أسمع للعَرق جمعاً، فإنْ جُمِع فقياسُه أعراق، كجَمل وأجمال. ورجلٌ عُرَقَة: كثير العَرق. ويقال: استعرق، *إذا تعرَّضَ للحَرِّ كي يَعرق. ومن الباب: جَرَى الفرسُ عَرَقاً أو عَرَقَين، أي طَلَقاً أو طَلَقين. وذلك من العَرَقْ. ويقال: عَرِّقْ فرسَك، أي أجرِهِ حتَّى يتعرَّق. قال الأعشى: يُعالَى عليه الجلُّ كلَّ عَشِيّة *** ويرفع نَقلاً بالضُّحَى ويُعَرَّق ويقال: اللّبَن عَرَقٌ يتحلَّب في العروق حتَّى ينتهي إلى الضَّرْع. قال الشَّمّاخ: تُضْحِ وقد ضَمِنت ضَرّاتُها عَرَقا *** من طيّب الطّعم حُلْوٍ غير مجهود ولبنٌ عَرِق، وهو أن يُجعَل في سقاء فيشدَّ بجنْبِ البعير فيصيبَه العرقُ فَيفسُد. وأمّا عَرَقُ القِرْبة في قوله: "جَشِمْتُ إليك عَرَق القِربة " فمعناه فيما زعم يونس: عطيّة القربة، وهو ماؤها، كأنَّه يقول: جَشِمت إليك حتَّى سافرتُ واحتجتُ إلى عَرَق القربة في الأسفار، وهو ماؤها. ويقال: عَرِق لـهُ بكذا، كأنّه تَندَّى له وسَمَح. قال: سأجعَلهُ مكانَ النُّون مِنِّي *** وما أُعْطِيتُهُ عَرَقَ الخِلالِ يقول: لم أُعْطَهُ عطيَّةَ مودّة، لكنَّه أخذْتُه قسراً. والنُّون: السَّيف. وقال بعضهم: جَشِمْتُ إليك حَتَّى عرِقتُ كعرق القِرْبة، وهو سَيَلان مائها. وقال قوم: عَرَق القِربة أنْ يقول: تكلَّفتُ لك ما لا يبلغُه أحدٌ حتى تجشَّمت ما لا يكون؛ لأنَّ القِربة لا تَعْرَق، يذهب إلى مِثْلِ قولهم: "حتَّى يشِيب الغُراب". وكان الأصمعيُّ يقول: عَرَق القِرْبة كلمةٌ تدلُّ على الشِّدَّة، وما أدري ما أصلُهما وقال ابنُ أبي طَرَفة: يقال لَقِيتُ من فُلانٍ عَرَقَ القِرْبة، أي الشِّدّة. قال: وأنشد الأحمر: ليست بِمَشْتَمَةٍ تُعَدُّ وعَفْوُها *** عَرَقُ السِّقاء على القَعُود اللاّغِبِ يمدح رجلاً يسمع الكلمة الشديدة فلا يأخُذ صاحبَها بها. ومن الباب: عَرَّقْتُ في الدَّلو، وذلك إذا كان دونَ المِلء، كأنَّ هذا لقِلّته شبّه بالعَرَق. ويقال للمُعْطي اليسير: عَرَّق. قال: لا تملأ الدَّلْوَ وعرِّقْ فيها *** أما تَرَى حَبَارَ مَنْ يَسقيها ويقال: كأسٌ مُعْرَقَة، إذا لم تكن مملوءةً، قد بقيتْ منها بقيَّة. وخَمْرٌ مُعرَقَة، أي ممزوجة مزجاً خفيفاً، شُبِّه ذلك المزجُ اليسير بالعَرَق. وقال في المُعْرق القليلِ المَزْج: أخَذْتُ برأسِهِ فدَفَعْتُ عنه *** بمُعْرَقَةٍ مَلامةَ مَن يلومُ والأصل الثاني السِّنْخ المتشعِّب. من ذلك العِرْق عِرْق الشَّجَرة. وعُروقُ كلِّ شيء: أطنابٌ تَنْشَعِب من أصوله. وتقول العرب: "استأصَل الله عِرْقاتَهم " زعموا أنَّ التاء مفتوحة، ثمَّ اختلفوا في معناه، فقال قوم: أرادوا واحدةً وأخرجها مُخرَج سِعلاة. وقال آخرون: بل هي تاءُ جماعة المؤنّث لكنهم خفّفوه بالفتحة ويقال: أعْرَقَتِ الشَّجَرةُ، إذا ضَرَبتْ عُروقُها فامتدَّت في الأرض. ومن هذا الباب: عَرَق الرّجُل يَعْرُق عُروقاً، إذا ذَهَب في الأرض. وهذا تشبيهٌ، شبِّه ذهابه بامتدادِ عُروق الشَّجرةِ وذهابها في الأرض. فأمّا قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أحيا أرضاً مَيْتةً فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حَقٌّ". فهو مَثَل. قال العلماء: العُروق أربعة: عرقان ظاهران، وعرقان باطنان. فالظاهران: الغَرس والبناء، والباطنان البئر والمعْدن. ومعنى العِرق الظَّالم أن يجيءَ الرّجُل إلى أرضٍ قد أحياها رجلٌ قبلَه فيغرسَ فيها غَرساً أوْ يُحدِثَ شيئاً يستوجب به الأرض. والعِرق: نباتٌ أصفر. ومن أمثالهم: "فلانٌ مُعْرق [له] في الكَرم"، أي لـه فيه أصلٌ وسِنْخ. وقد عَرَّق فيه أعمامُه وأخواله تعريقاً، وأعرقوا فيه أعراقاً. وقد أعْرقَ فيه أعراقُ العَبيد، إذا خالطه ذلك وتخلَّق بأخلاقهم. ويقال: تدارَكَه أعراقُ خَيرٍ وأعراقُ شَرٍّ. قال الشّاعر: جرى طَلَقاً حتَّى إذا قيل سابقٌ *** تداركَه إعراقُ سَوْءٍ فَبَلّدا والعَريق من الخَيل والنَّاس: الذي لـه عرِقٌ في الكَرم. وفلانٌ يُعارِقُ فلاناً، أي يُفاخِره، ومعناه أن يقول: إنَّنا *أكْرم عِرقاً. ويقال: "عِرقٌ في بنات صَعْدة" وهي الحُمُر الأهليّة. وقول عِكراش بن ذُؤيب: "أتيته بإبلٍ كأنّها عُروق الأَرْطى" أراد أنّها حُمْر، لأنَّ عُروقَ الأرطى حُمر، وحُمْر الإِبل كرائمها. قال: يُثير ويُبدِي عن عُروقٍ كأنّها *** أعنَّةُ جَرَّازٍ تُحَطّ وتُبْشَرُ وصف ثوراً يَحفِر كِناساً تحت أرْطَى. والأصل الثالث كشط اللَّحم عن العظم. قال الخليل: العُراق: العظم الذي قَد أُخِذَ عنه اللَّحم. قال: * فألقِ لكلبك منه عُرَاقا * فإذا كان العظم بلحمه فهو عَرْق. ويقال: العُراق جمع عَرق، كما يقال ظِئر وظُؤار. ويقال في المثل: "هو ألْأََم من كلبٍ على عَرْق". قال ابن الأعرابيّ: جمع عَرْق عِرَاق. وأنشَد: يَبيت ضَيفِي في عِراقٍ مُلْسِ *** وفي شَمُولٍ عُرِّضَتْ للنَّحْسِ مُلْس، يعني الودكَ والشَّحم. والنَّحْس: الرِّيح. يقال: عَرَقت العظم وأنا أعْرُقهُ، واعترقْتُه وتعرَّقتُه، إذا أكلتَ ما عليه [من] من اللحم. ويقال: أعطِني عَرْقاً أتعرَّقهُ، أي عظماً عليه اللحم. وفلانٌ مُعتَرَقٌ، أي مهزول، كأنَّ لَحمه قد اعتُرِق. قال:* غولٌ تَصَدَّى لسَبَنْتىً مُعْتَرِق * وقال: قد أشهدُ الغارةَ الشَّعواءَ تحملُنِي *** جَرداءُ معروقَةُ اللَّحيين سُرْحوبُ يصف الفرس بقلّة اللحم على وجهه، وذلك أكْرَمُ له. قال الكِسائيّ: فمٌ مُعْرَق: قليلُ الرِّيق. ووجهٌ معروق: قليل اللَّحم. والأصل الرّابع: الامتداد والتَّتابع في أشياءَ يتبع بعضُها بعضاً. من ذلك العَرَقة، والجمع عَرَقات، وذلك كلُّ شيءٍ مضفور أو مصطفٍّ. وإذا اصطفَّت الطَيرُ في الهواء فهي عَرَقة، وكذلك الخيل. قال طُفيل: كأنّه بعدَ ما صَدَّرْن من عَرَقٍ *** سِيدٌ تَمَطّر جُنحَ اللَّيل مبلولُ
والعَرَقة: السَّفيفة المنسوجة من الخُوص قَبل أن يُجعَل منها زَبيل. وسمِّي الزَّبيل عَرَقاً لذلك. ويقال عَرَقة أيضاً. قال أبو كبير: نَغْدو فنَترُك في المَزَاحف مَن ثوى *** ونُمِرُّ في العَرَقات مَن لم يُقتَلِ يعني نأسِرهم فنشدُّهم في العَرَقات، وهي النُّسوع. ويقال لآثار الخَيل المصطفة عَرَقة. والعَرَقة: طُرَّة تُنسَج ثم تخاط على شَقَّة، الشُّقة التي للبيت. وقال ابنُ الأعرابيّ: العَرَقة: جماعةٌ من الخيل والإبل القائمة على سَطر. فأمَّا عِراق المَزادة والرَّاوية فهو الخَرْز الذي في أسفلها، والجمع عُرُق. وذلك عندنا ممّا ذكرناه من الامتداد والتَّتابُع. قال ابن أحمر: من ذي عِرَاق نِيطَ في جَوْزِها *** فهو لطيفٌ طَيُّه مُضْطَمِرْ وقال آخر: * تضَحك عن مِثل عِراق الشَّنَّهْ * ومن هذا الباب: العِرَاق، وهو عند الخليل شَاطئ البحر. وسمِّيت العِراقُ عِراقاً لأنَّه على شاطئ دِجلَة والفرات عِدَاءً حتَّى يتّصل بالبحر. والعِراق في كلام العرب: شاطئ البَحْر على طُوله. ومن هذا الباب: العِراق، وهو ما أحاط بالظُّفُر من اللَّحم. قال الدُّريدي: "سمِّيت العِراق لأنَّها استكفَّتْ أرضَ العرب "، أي صارت كالِكفاف لها. وذُكر عن أبي عمرو بن العلاء أنّ العِراق مأخوذ من عروق الشّجر، وهي مَنابِت الشَّجر. والعِراقان: الكوفة والبصرة. وقال الأصمعي: العِراق كلُّ موضعِ ريفٍ. قال جرير: نَهْوَى ثرى العِرْق إذْ لم نلقَ بعدكُمُ *** كالعرق عِرقاً ولا السُّلاَّنِ سُلاَّنا ويقال: أعرَقَ الرَّجل وأشأمَ، أي أتَى العِراقَ والشَّام. قال الممزَّق: فإن تُنْجِدُوا أُتْهِمْ خلافاً عليكمُ *** وإن تُعْمِنُوا مُستحقِبِي الشَّرِّ أُعرِقِ وأمَّا عَرْقُوَة [الدَّلو فـ ] الخشَبَة المعروضةُ عليها. (عرك) العين والراء والكاف أصلٌ واحد صحيحٌ يدلُّ على ذلك وما أشبَهَه من تمريسِ شيءٍ بشيء أو تمرُّسِه به. قال الخليل: عركتُ الأديمَ عَرْكاً، إذا دَلَكتَه دلْكاً. وعركت القومَ في الحربِ عَركاً. قال زهير: فتعرْكُكُمْ عَرْكَ الرَّحى بثفَالها *** وتَلْقَح كِشافاً ثم تَحْمِل فتُتْئِمِ ومن الباب: اعترَك القومُ في القتال، وذلك تمرُّسُ بعضِهم ببعضٍ وعَرْكُ بعضِهم بعضاً، *وذلك المكان مُعْترَك ومُعتَرَكةٌ. وقال الخليل: رجلٌ عَرِكٌ وقوم عَرِكون، وهم الأشِدَّاء في الصِّراع. ومن الباب وإِنَّما زِيد في حروفه ابتغاءَ زيادةٍ في معناه –قولُهم: عَرَكْرَكٌ، أي غليظ شديدٌ صَبور. قال: لا تَشهدِ الوِردَ بكلِّ حائِر *** إلا بفَعْم المَنكِبين حادرِ عَركْركٍ يملأُ عينَ النّاظر ويقال: رجلٌ عَرِكٌ: حِلْسٌ لا يبرح القِتال. وعَريكة البَعير: سَنامُه، وذلك أنَّ الحِمْل يَعْرُكه. قال ذو الرُّمَّة: * خِفافُ الخُطَى مُطْلَنْفئات العرائكِ * مُطْلَنْفئة: لاصقة بالأرض. ويقال: ناقة عَرُوك، مثل اللَّموسُ، وذلك إذا كان عليها وَبَر فلا يُرى طرْقُها تحت الوَبَر حتى يُلْمَس. وعَرَكْت الشّاة أيضاً، إذا جَسَستَها. قال: ولا تكون المرَّة والمرَّتانِ عَرَكاً، وإنّما يكون ذلك إذا بُولِغ في الجسّ. وتقول: لقيتُه عَرَكاتٍ، أي مَرّاتٍ وهذا على معنى التمثيل بعَرَكات الجَسّ. قال الخليل: والعَرْك: عَرك المِرفق الجنبَ، من الضّاغط يكون بالبعير. قال الطرِمَّاح: * قليل العرك يهجو مرفقاها * فأمَّا قولُهم: هو ليِّن العريكة، فقال الخليل: فلانٌ ليِّن العريكة، إذا لم يكن ذا إباءٍ، وكان سَلِساً. وقال ابن الأعرابيّ: العريكة: شِدَّة النَّفْس. قال: خرّجها صوارمُ كلِّ يومٍ *** فقد جعلت عَرائكُها تلين خَرَّجها: هذَّبها وأدّبها كما يَتخرّج الإنسان، وهذا كلُّه راجعٌ إلى ما تقدّم ذِكرُه من عريكة السَّنام. فأمّا المَلاّحون فهم العَرَك، يقال عَركيٌّ للواحد وعَرَكٌ للجمع، مثل عربيٍّ وعَرب. قال زُهير: يَغْشَى الحداةُ بهم وعْثَ الكثيب كما *** يُغشِي السّفائنَ موجَ اللَّجَّةِ العَرَكُ وإنَّما سُمُّوا عَرَكاً لمعاركتهم الماءَ والسُّفن. ويقال: أرضٌ مَعْروكة، إذا عَرَكتها السّائمةُ وأكلت نَباتَها. ومن الباب: العِراك في الوِرْد. ويقال ماء مَعْروكٌ، أي مُزدَحَم عليه. وهو القياس، لأنَّ المُورِد إذا أورد إبلَه أجْمَعَ تزاحمت وتعاركت. قال لبيد: فأورَدَها، العِراكَ ولم يذُدْها *** ولم يُشفِق على نَغَصِ الدِّخالِ ومن أمثالهم: "عارِكْ بجَذَعٍ أودَعْ ". فأمّا العارك فإنَّها الحائض، وممكن أن يكون من قياسه أن تكون معانِيةً، لما تُعانِيه من نِفاسها ودَمِها، وكأنّها تُعارِكُ شيئاً. يقال امرأةٌ عاركٌ ونساء عوارك. قالت الخنساء: لن تَغْسِلُوا أبداً عاراً أظلّكُم *** غَسْلَ العَوارِكِ حيضاً بعد أطهارِ يقال منه: عَرَكَت تعرُك عَركاً وعراكاً فهي عارك. (عرم) العين والراء والميم أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على شِدّة وحِدّة. يقال: عَرُم الإنسان يعرُم عَرامَةً، وهو عارم. قال: إني امرؤٌ يذُبُّ عن مَحارمي *** بَسْطةُ كفٍّ ولسانٍ عارمِ وفيه عُرامٌ، إذا كان فيه ذلك. وعُرَام الجَيْش: شِرّته وحَدُّه وكثرتُه. قال: وليلةِ هُوْلٍ قد سَريتْ وفتيةٍ *** هَديتُ وجمعٍ ذي عُرامٍ مُلادِسِ ولذلك يقال جيشٌ عَرَمْرَمٌ. وقد قلنا إِنَّهم إذا أرادُوا تفخيمَ أمرٍ زادُوا في حروفه. والعَرَمْرم من عَرَم وعرر. قال: أداراً بأجماد النَّعامِ عهِدتُها *** بها نَعماً حَوْماً وعِزّاً عرمرما وأمَّا سَيل العَرِم فيقال: العَرِمَةُ: السِّكْر، وجمعها عَرِم. وهذا صحيح، لأنَّ الماء إذا سُكِرَ كان له عُرَامٌ من كثرته. ومحتمل أنْ يكون العَرِمة الكُدْس المَدُوس الذي لم يُذَرَّ، يُجعل كهيئة الأَزَج. فإِنْ كان كذا فلأنه مُتكاثف كثير، كالماء ذي العُرام. فأمَّا العُرْمَة فالبياضُ يكون بمَرَمَّة الشّاة، يقال شاةٌ عرماءُ –وهذا شاذٌّ عن الأصل الذي ذكرناه- وأفْعى عرماء. وممكنٌ أن يكون من باب الإبدال، كأنّ الراء بدل من لام، كأنّها عَلْمَاء. وذلك يكون البياض كعلامةٍ عليها، وليس هذا ببعيد. قال: *أبا مَعْقِلٍ لا تُواطِئَنْك بَغاضَتِي *** رُؤوسَ الأفاعِي في مَرَاصِدها العُرْمِ فأمّا قولُهم إن العَرِم: الجُرَذ الذَّكَر فمما لا معنَى له ولا يُعَرَّج على مِثله. (عرن) العين والراء والنون أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على ثباتٍ وإثباتِ شيء، كالشّيء المركب. من ذلك العِرنين، وهو الأنف، والجمع عرانين سمِّي بذلك كأنَّه عُرِن على الأنف، أي رُكِّبَ. وكذلك اللَّحم عَرِينٌ، لأنه مُثْبَتٌ مركَّبٌ على الجسم. قال: * موشَّمةُ الأطرافِ رَخْصٌ عَرينُها * وقال في العِرْنين: تَثْنِي الخمارَ على عِرنينِ أرنبةٍ *** شَمَّاء مارِنُها بالمسك مرثومُ ومن الباب العِرَان، وهي خشبةٌ تُجْعَل في أنف البعير. وقال: وإنْ تُظْهِرْ حديثَك يُؤْتَ غَدْواً *** برأسِكَ في زِناقٍ أو عِرَانِ ومن الباب العَرين: مَأْوى الأسد؛ لأنّه مكانُه الذي يثبُتُ فيه. وقال: أحمّ سراةِ أعلى اللّونِ منه *** كلَون سَراة ثُعبانِ العَرينِ
ورمح مُعَرَّن: قد سُمِّر سنانُه فيه. وقال: مَصانعُ فخرٍ ليس بالطِّينِ شُيِّدَت *** ولكن بطعن السَّمهريِّ المُعَرَّنِ ومن الباب قولهم للشَّديد الصِّرِّيع: هو عِرْنَةٌ لا يُطاق، أي إنّه ثابتٌ لا يزول. (عرو/ي) العين والراء والحرف المعتل أصلانِ صحيحان متباينان يدلُّ أحدُهما على ثباتٍ ومُلازمةٍ وغِشيان، والآخر يدلُّ على خلوٍّ ومفارقة. فالأوّل قولُهم: عَرَاه أمرٌ، إذا غَشِيه وأصابَه؛ وعَرَاه البرد. ويقولون: "إذا طَلَع السِّماك، فعند ذلك يَعرُوك ما عَناك، من البرد الذي يَغْشاك". وعَرَاه الهمُّ واعتراه. والعُرَوَاء: قِرَّةٌ تأخذ المحموم. ومن الباب العُروة عُروَة الكُوزِ ونحوِه، والجمع عُرىً. وعَرّيت الشيء: اتَّخذت له عروة. قال لبيد: فخْمةٌ ذَفْراء تُرتَى بالعُرَى *** قُردمانيَّاً وتَركاً كالبَصَلْ وقال آخر: "والله لو عَرَّيتَ في عِلباوَيَّ ما خضَعْتُ لَكَ"، أي لو جعلتَ فيهما عُرْوَتين. وإنَّما سمِّيت عُروَة لأنّها تُمسَك وتَلزَمها الإصبع. ومن الباب العُروة، وهو من النَّبات شجرٌ تَبقى لـه خَضرةٌ في الشتاء، تتعلق به الإبل حتَّى يدركَ الرَّبيع، فهي العُرْوة والعُلْقة، وقال مهلهل: قَتَل الملُوكَ وسارَ تحت لوائه *** شَجر العُرَى وعَراعِرُ الأقوامِ وقال بعضهم: العُرْوة: الشَّجر الملتف. وقال الفَرَّاء: العُروة من الشَّجر: ما لا يسقط ورقُه. وكلُّ هذا راجعٌ إلى قياس الباب، لأنَّ الماشية تتعلَّق به فيكون كالعُروة وسائر ما ذكرناه. وربّما سَمّوا العِلْق النَّفِيسَ عُروةً، كما يسمَّى عِلْقاً، والقياس فيهما واحد. ويقال: إن عُروةَ الإسلام: بقِيَّته، كقولهم: بأرض بني فلانٍ عُروة، أي بقيّة منْ كلإٍ. وهذا عندي كلامٌ فيه جفاء؛ لأنَّ الإسلام والحمدُ لله باقٍ أبداً، وإنّما عُرَى الإسلام شرائعه التي يُتَمسَّك بها، كلُّ شريعةٍ عُروة. قال الله تعالى عند ذكر الإيمان:{فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة 256]. فأما العَرِيُّ فهي الرِّيح الباردة، وهي عرِيَّة أيضاً. وسمِّيت لأنّها تَعْرو وتَعترِي، أي تَغْشَى. قال ذو الرُّمَّة: وهَلْ أحْطِبَنَّ القومَ وهي عريَّةٌ *** أُصولَ ألاءٍ في ثَرىً عَمِدٍ جَعْدِ ويقولون: "أَهْلكَ فقد أعْرَيْتَ"، أي غابت الشَّمسُ وهبَّت عريّاً. وأمّا الأصل الآخَر فخُلوُّ الشَّيء من الشَّيء. من ذلك العُرْيان، يقال منه: قد عَرِيَ من الشَّيءِ يعرَى، وجمع عارٍ عُراة. قال أبو دُوَاد: فبِتنا عُراةً لَدَى مُهْرِنا *** تُنَزِّع من شَفَتيه الصَّفارا أي متجرِّدين، كما [يقال] تجرّد للأمر، إذا جدّ فيه. ويقولون: إنّه من العُرَواء، أي كأنَّهم ينتفضون من البرد. ويقال من الأوّل: ما أحْسَنَ عُرْيةَ هذه الجارية، أي مُعَرَّاها وما تجرَّد منها. وعُرْيَتها: جُرْدتها. ويقال: المَعَارِي: اليدانِ والرِّجْلان والوجه، لأنّ ذلك بادٍ أبداً. قال أبو كبير: مُتكوِّرينَ على المَعارِي بينَهم *** ضَربٌ كتَعْطاط المَزَادِ الأثجلِ ويقال: اعْرَوْرَيْتُ الفَرسَ، إذا ركبته عُرْياً [ليس] بين ظهره وبَيْنَك شيء. وأنشد: واعْروْروت العُلُطَ العُرْضيَّ تركُضُه *** أمُّ الفوارس* بالدِّئدادِ والرَّبَعَه ويقال: فرسٌ عُرْيٌ ورجل عُرْيانٌ. ومن الباب: العَرَاء: كلُّ شيء أعْرَيْته من سُتْرته. ويقال: اسْتُر عن العَرَاءِ. أمَّا العَرَى مقصور فما سَتَرَ شيئاً من شيء. تقول: تركناه في عَرَى الحائط. وهذه الكلمة تَصلح أن تكون من الباب الأوَّل. ومن الباب الثّاني: أعْرَى القومُ صاحبهم، إذا تَرَكوه وذهَبوا عنه. ومن الباب العَرَاء: الفضاء، ويقال إنّه مذكّر. تقول: انتهينا إلى عَراءٍ من الأرض واسع. وأعراء الأرض: ما ظَهَر من مُتونها وظُهورها. ويقولون لامرأة الرّجل: النَّجِيُّ العُرْيان، أي إِنَّه يُناجيها في الفِراش عُريانةً. قال: ليس النجيُّ الذي يأتيك مؤتزِراً *** مِثْلَ النَّجِيّ الذي يأتيك عُرياناً ويقال للفرس الطَّويل القوائم عُريان، وهو من الباب، يراد أنَّ قوائمه متجرِّدة طويلة. وأمَّا العَرِية من النَّخْل وما جاء في الحديث أنّه عليه الصلاة والسلام: "نهَى عن المُزَابنة ورَخّص في العَرايا" فإنّ قياسَه قياسُ الذي ذكرناه في هذا الأصل الثاني، وهو خُلوُّ الشيء عن الشيء. ثمّ اختلف الفقهاء في صورتها، فقال قوم هي النَّخلة يُعرِيها صاحبُها رجلاً محتاجاً، وذلك أن يجعَلَ له ثمرةَ عامِها، فرخّص لربِّ النَّخل أن يبتاع ثمرَ تلك النَّخلة من المُعْرَى بتمرٍ، لِموضعِ حاجته. وقال بعضُهم: بل هو الرّجُل يكون لـه نخلةٌ وسْطَ نخلٍ كثيرٍ لرجُل آخر، فيدخلُ ربُّ النَّخلة إلى نخلته فربما كان صاحب النخل الكثير يؤديه دُخوله إلى نخلِهِ، فرخِّص لصاحب النَّخل الكثير أن يشتري ثمَر تلك النخلة من صاحبها قبل أن يجُدَّه بتمرٍ لئلاّ يتأذَّى به. قال أبو عبيدٍ: والتّفسير الأول أجود، لأنَّ هذا ليس فيه إعراء، إنما هي نَخلةٌ يملكها ربُّها فكيف تسمى عَرِيّة. ومما يبين ذلك قولُ شاعر الأنصار: ليستْ بسَنْهَاءَ ولا رُجبيَّةٍ *** ولكن عَرَايا في السِّنينَ الجَوائحِ ومنه حديثٌ آخر، أنَّه كان إذا بعث الخُرّاص قال هم: "خفِّفوا في الخَرْص فإنَّ في المال العَرِيَّةَ والوصِيَّة". قال الأصمعيّ: استَعْرَى الناسُ في كلِّ وجهٍ، إذا أكلوا الرُّطَب. قال: وهو مأخوذٌ من العَرايا. فأمَّا الخليل فرُوِي عنه كلامٌ بعضُه من الأوّل وبعضُه من الثاني، إلاّ أنَّ جملة قوله دليلٌ على ما ذكرناه، من أنّه قياسُ سائرِ الباب، وأنّه خلوُّ شيءٍ من شيء. قال الخليل: النَّخلة العرِيَّة: التي إذا عَرَضْت على البيع ثمرَها عَرَّيتَ منها نخلة، أي عَزَلْتَ عن المساوَمة. والجمع العَرايا، والفعل منه إعراءٌ، وهو أن يُجعَل ثمرُها لمُحتاجٍ عامَها ذلك. (عرب) العين والراء والباء أصول ثلاثة: أحدها الإنابة والإفصاح، والآخر النَّشاطُ وطيبُ النَّفس، والثالث فسادٌ في جسمٍ أو عضو. فالأوّل قولهم: أعرب الرّجُل عن نفسه، إذا بيَّنَ وأوضح. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الثَّيِّبُ يُعرِب عنها لسانُها، والبِكر تُسْتَأْمَر في نفسها". وجاء في الحديث: "يستحبُّ حين يُعرِب الصبيُّ أن يقول لا إله إلا الله. سبْعَ مرات"، أي حين يُبِين عن نفسه. وليس هذا من إعراب الكلام. وإعرابُ الكلام أيضاً من هذا القياس، لأنَّ بالإعراب يُفرَق بين المعاني في الفاعل والمفعول والنفي والتعجب والاستفهام، وسائر أبواب هذا النَّحو من العلم. فأمّا الأمَّة التي تسمَّى العربَ فليس ببعيدٍ أن يكون سمِّيت عَرَبا من هذا القياس لأنَّ لسانَها أعْرَبُ الألسنة، وبيانَها أجودُ البيان. وممّا يوضِّح هذا الحديثُ الذي جاء: "إنَّ العربيَّة ليست باباً واحداً، لكنّها لسانٌ ناطق". وممّا يدل على هذا أيضاً قولُ العرب: ما بها عَرِيبٌ، أي ما بها أحدٌ، كأنَّهم يريدون، ما بها أنيس يُعرِب عن نفسه. قال الخليل: العَرَب العاربة هم الصَّريح. والأعاريب: جماعة الأعراب. ورجلٌ عربيّ. قال: وأعرب الرّجُل، إذا أفَصَح القَولَ، وهو عَرَبانيُّ اللِّسان: فصيح. وأعرب الفرس: خَلَصت* عربيّتُه وفاتَته القِرْفة. والإبل العِرابُ، هي العربية. والعرب المستعربة هم الذين دخَلُوا بَعدُ فاستعربوا وتعرَّبوا. والأصل الآخَر: المرأة العَرُوب: الضَّحاكة الطيِّبة النفس، وهُنَّ العُرُب. قال الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكاراً. عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة 36- 37]، قال أهلُ التَّفسير: هنَّ المتحبِّبات إلى أزواجهنّ. والعَرْب، بسكون الراء: النَّشاط. قال: * والخَيْل تنزِع عَرْباً في أعنَّتِها * والعَرَب: الأَثَر، بفتح الراء. يقال منه: عَرِب يَعْرَب عَرَباً. والأصل الثالث قولُهم: [عَرِبَت] معدتُه، إذا فسدت، تَعْرَب عَرَباً. ويقال من ذلك: امرأةٌ عَروبٌ، أي فاسدة. أنشدنا عليُّ بن إبراهيمَ القَطّان، قال: أنشدنا ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ: وما خَلَفٌ من أمِّ عِمرانَ سَلْفَعٌ *** من السُّودِ وَرهْاءُ العِنان عَرُوبُ فأمَّا يوم الجُمعة فإِنَّه يُدعى العَرُوبة، وهو اسمٌ عندنا موضوعٌ على غير ما ذكرناه من القياس. ويقولون: إِنَّه كان يسمَّى في الزَّمن القديمِ العَرُوبة. وكتاب الله تعالى وحديثُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يجئْ إلاّ بذكر الجُمعة. على أنَّهم قد أنشدوا: * يوم العَروبةِ أوراداً بأورادِ * وأنشدوا أيضاً: يا حُسْنَهُ عند العزيز إذا بدا *** يوم العَرُوبة واستقَرَّ المِنْبرُ وكلُّ هذا عندنا مما لا يعوَّل على صحّته. (عرت) العين والراء والتَّاء. العَرْت: الدَّلْك. والرُّمْح العَرّات، مثل العَرّاص، وهو المُضطرِب. (عرث) قال أبو بكر: العَرْث: الانتزاع. عَرَثَه عَرْثاً، إذا انتزَعه. وهو من المُجْمل. (عرج) العين والراء والجيم ثلاثة أصول: الأوّل يدلُّ على ميْل ومَيَل، والآخر على عَدَد، والآخِر على سُموّ وارتقاء. فالأوّل: العَرَج مصدر الأعْرج، ويقال منه: عَرِج يعرَج عَرَجاً، إذا صار أعرج. وقالوا: عَرِج يَعْرَجُ خِلْقة، وعَرَج يَعْرُج إذا مشى مِشية العُرْجان. والعَرْجَاء: الضَّبُع، وذلك خِلْقَةٌ فيها، فلذلك سمِّيَتْ العَرْجاء، والجمع عُرْج. وجمع الأعرج من النّاس العُرْجان. ويقال للغراب أعرج، لأنَّه إذا مشى حَجَل. ومن هذا الباب التعرُّج، وهو حَبْس المطايا مُناخٍ أو موقِف يميلها إليه. قال ذو الرُّمَّة: يا جارَتَيْ بنتِ فَضّاضٍ أمَا لَكُما *** حَتَّى نُكلِّمَها همٌّ بتعريج وقال ابنُ الأعرابيّ: عرَّجْتُ عليه، أي حبَست مطيَّتي عليه. وما لي عليه عُرْجَة ولا مَعْرَجَة. ويقال للطَّرِيق إذا مال: انعَرَج. وانْعَرَج الوادي. ومُنْعَرَجُه: حيث يميل يَمنةً ويَسرَة. وانعرَجَ القومُ عن الطريق، إذا مالوا عنه. ويقولون: إنَّ العُرَيْجَاء: الهاجرة. وإنْ صحَّ هذا فلأنَّ كلَّ شيءٍ ينعرجُ إلى مكانٍ يَقِيهِ الحرّ. قال: لكن سهَيَّةُ تدري أنَّني ذَكَرٌ *** على عُرَيْجَاءَ لمّا ابتلّتِ الأُزُرُ وكان الأصمعيّ يقول: أن تَرِدَ الإِبلُ يوماً غُدوةً ويوماً عَشِيَّةً. وقد عَرَّجْنا من العُرَيجاء. والعَرْجاء: هَضْبَة معروفة. قال أبو ذؤيب: فكأنَّها بالجِزْعِ جِزْعِ نُبَايِعٍ *** وأُولاتِ ذي العَرْجَاء نَهْبٌ مُجمَعُ ويقال إنما سمِّيتِ العَرْجَاء لأنَّ الطريق يتعرّج بها. ويقال: أمرٌ عَريجٌ، إذا لم يستقم، هو معوَّج بَعد. والأصل الآخَر من الإبل، قال قوم: ثمانون إلى تسعين، فإذا بلغت المائةَ فهي هُنَيدة، والجمع عُرُوجٌ وأعراج. قال طَرَفة: يوم تُبْدِي البِيضُ عن أسْوُقها *** وتلُفُّ الخيلُ أعراجَ النَّعَمْ
ويقال: العَرْج مائة وخمسون. وهذا الأصل قد يمكن ضمُّه إلى الأوّل، لأنَّ صاحب ذلك يُعرِّج عليه ويَكتفِي به. والأصل الثالث: العُروج: الارتقاء. يقال عَرَج يعرُج عُروجاً ومَعْرَجاً. والمَعْرَج: المَصْعَد. قال الله تعالى:{تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ} [المعارج 4]. فأمَّا قول القائل: * حتَّى إذا ما الشَّمس هَمَّتْ بعَرَجْ * فقالوا: أراد غيبوبةَ الشَّمس. وهذا وإن كان صحيحاً فهو غير ملخّص في التَّفسير، *وإنَّما المعنى أنَّها لمَّا غابت فكأنَّها عَرَجت إلى السَّماء، أي صَعِدت. وممَّا يؤيد هذا قولُ الآخَر: * وعَرّج اللَّيلَ بُرُوجُ الشَّمسِ * فهذا هو القياسُ الصحيح. (عرد) العين والراء والدال أصلانِ صحيحان يدلُّ أحدهما على قوّةٍ واشتداد، والآخر على مَيل وحِياد. فالأوَّل العَرْد: الشديد من كلِّ شيءٍ الصُّلب. [قال ]: * عَرْدَ التَّراقي حَشْوَراً مُعَقْربا * ويقال: عَرَد نابُ البعير يَعرُد عُروداً، إذا خَرَج واشتدَّ وانتصب. قال ذو الرُّمَّة: يُصَعِّدْنَ رُقْشاً بين عُوجٍ كأنها *** زِجاجُ القَنا منها نَجِيم وعاردُ النَّجِيم: الطالع. و[أمَّا] الأصل الآخَر فالتعريد: ترك القَصْد. والأصل فيه قولهم: عَرَدت الشّجرةُ تَعرُد عُروداً. قال لبيد في التَّعريد: فَمَضَى وقدَّمَها وكانت عادةً *** منه إذا هي عَرَّدَتْ إقدامُها وقال آخر: * وهمّتِ الجوزاءُ بالتَّعريدِ * ومما شذَّ عن هذين الأصلين العَرَاد: شجر. ويقال العَرَادة: الجرادة الأُنثى. والله أعلمُ بالصَّواب.
(عزف) العين والزاء والفاء أصلانِ صحيحان، أحدهما يدلُّ على الانصراف عن الشَّيء، والآخر على صوت من الأصوات. فالأوَّل قول العرب: عَزَفت عن الشَّيء إذا انصرفتَ عنه. والعَزُوف: الذي لا يكاد يثبُت على خُلَّة خليل قال: ألم تعلمي أنِّي عزوفٌ عن الهوى *** إذا صاحبي في غير شيء تغضَّبا وقال الفَرزدق: * عزَفْتَ بأعشاشٍ وما كدتَ تعزِفُ * والأصل الثاني: العَزيف: أصوات الجِنّ. ويقال إنّ الأصل في ذلك عَزْف الرِّياح، وهو صوتُها ودَوِيُّها. وقال في عَزيف الجِنّ: وإِنِّي لأجتاز الفلاةَ وبينها *** عوازفُ جِنَّان وهامٌ صواخِدُ ويقال: إنّ أبْرَق العَزّافِ سمِّي بذلك، لما يقال أنّ به جِنّاً. واشتُقَّ من هذا العَزْف في اللَّعِب والمَلاهي. (عزق) العين والزاء والقاف ليس فيه كلامٌ أصيل، لكنَّ الخليلَ ذكر أنَّ العَزْق: عِلاج الشَّيء في عَسَر. ورجلٌ متعزِّق: فيه شِدَّة خُلُق. ويقولون: إن المِعْزقةَ: آلةٌ من آلات الحرث. وينشدون: نُثِير بها نَقْعَ الكُلابِ وأنتم *** تُثِيرون قِيعانَ القُرى بالمَعازقِ وكلُّ هذا في الضَّعفِ قريبٌ بعضُه من بعض. وأعجَبُ منه اللغة اليمانيَة التي يدلِّسُها أبو بكر محمدُ بن الحسنِ الدُّريدي رحمه الله، وقولُه: إنَّ العَزِيق مطمئنٌّ من الأرض، لغةٌ يمانيَة. ولا نقول لأئمَّتنا إِلاَّ جميلا. (عزل) العين والزاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على تنحيةٍ وإمالة تقول: عزَل الإنسانُ الشَّيءَ يعزِلُه، إذا نحَّاه في جانبٍ. وهو بمَعْزِلٍ وفي مَعزِل من أصحابه، أي في ناحيةٍ عنهم. والعُزْلة: الاعتزال. والرجُل يَعْزِل عن المرأة، إذا لم يُرِدْ ولدَها. ومن الباب: الأعزلُ: الذي لا رُمْحَ معه. وقال بعضُهم: الأعزل الذي ليس معه شيء من السلاح يُقاتِل به، فهو يَعتزِل الحربَ، ذكر[هُ] الخليلُ، وأنشد: لا مَعازِيلَ في الحُرُوب ولكنْ *** كُشُفاً لا يُرامونَ يَوْمَ اهتضام وشبِّه بهذا الكوكبُ الذي يقال له السِّماك الأعزل. وإِنَّما سمِّي أعزَل لأنَّ ثَمَّ سِماكاً آخرَ يقال له الرَّامح، بكوكبٍ يَقدُمه يقولون هو رُمْحُه. فهذا سمِّي لذلك أعزل. ويقال إِنَّ المِعزالَ من النّاس: [الذي] لا يَنْزِل مع القوم في السفر ولكن ينْزلُ ناحيةً. قال الأعشى: تُذهِلُ الشَّيخَ عن بنيهِ وتُلْوِي *** بلَبُون المِعْزَابَةِ المِعزالِ والأعزل من الدوابِّ: الذي يميلُ ذنبُه إلى أحد جنْبَيه. فأمَّا العَزْلاء ففَمُ المَزَادة. ومحتمل أن يكون شاذّاً عن هذا الأصل الذي ذكرناه، ويُمكن أن يُجمع بينهما على بُعدٍ، وهو إلى الشذُوذِ أقرب. ويقال: أرسَلَت السَّماءُ عَزَالِيَها، إذا جاءت *بمنهمرٍ من المَطَر. وأنشد: تَهمِرُها الكفُّ على انطوائِها *** هَمْرَ شَعيب الغَرْفِ من عَزلائِها (عزم) العين والزاء والميم أصلٌ واحد صحيحٌ يدلُّ على الصَّريمة والقَطْع. يقال: عزَمت أعزِمُ عزماً. ويقولون: عزمت عليك إِلاَّ فعَلْتَ كذا، أي جعلتُه أمراً عَزْماً، أي لا مَثْنويّة فيه. ويقال: كانوا يَرون لِعَزمة الخُلفاء طاعةً. قال الخليل: العَزْم: ما عُقِد عليه القلبُ من أمرٍ أنت فاعلُه، أي متيقِّنه. ويقال: ما لفلانٍ عزيمةٌ، أي ما يَعزِم عليه، كأنَّه لا يمكنه أن يَصْرِمَ الأمر، بل يختلط فيه ويتردَّد. ومن الباب قولهم: عَزَمْت على الجِنّيّ، وذلك أن تقرأ عليه من عزائم القُرآن، وهي الآياتُ التي يُرجَى بها قَطْعُ الآفةِ عن المَؤُوف. واعتزم السائر، إذا سَلَك القصدَ قاطعاً لـه. والرجل يَعزِم الطَّريق: يمضِي فيه لا ينثني. قال حميد: * معتزماً للطرُق النواشِط * وأولُو العَزْم من الرُّسلِ عليهم السلام: الذين قَطَعوا العلائقَ بينهم وبين مَنْ لم يؤمِن مِن الذين بُعثِوا إليهم، كنوح عليه السلام، إذ قالَ:{لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكافِرينَ دَيَّارَا} [نوح 26]، وكمحمَّدٍ صلى الله عليه وآله إذْ تبرَّأ من الكُفّار وبَرّأه الله تعالى منهم، وأمَرَه بقتالهم في قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى الذِينَ عاهَدْتُم مِنَ المُشْرِكينَ} [التوبة 1]، ثم قال:{فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم} [التوبة 5]. (عزو/ي) العين والزاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على الانتماء والاتِّصال. قال الخليل: الاعتزاء: الاتّصال في الدَّعوى إذا كانت حربٌ، فكلُّ مَن ادَّعى في شعاره فقد اعْتَزَى، إذ قال أنا فلانُ بنُ فلان فقد اعتَزَى إليه. وفي الحديث: "مَنْ تَعزَّى بعَزَاء الجاهليَّة فأَعِضُّوه"، وهو أن يقول يا لفلان. قال: فلما التقتْ فُرسانُنا ورجالُهم *** دَعَوْا يا لَكَعبٍ واعتَزَيْنا لعامِرِ وقال آخَر: فكيفَ وأصْلي من تميمٍ وفرعُها *** إلى أصل فَرعي واعتزائي اعتزاؤها فهذا الأصل، وأمّا قولهم: عَزِيَ الرّجلُ يَعْزَى عَزاءً، وإنه لَعَِزيٌّ أي صبور، إذا كان حسَنَ العزَاء على المصائب، فهذا من الأصل الذي ذكرناه، ولأنَّ معنى التعزِّي هو أن يتأسَّى بغيره فيقول: "حالي مثلُ حالِ فلان. ولذلك قيل: تأسَّى، أي جعل أمرَه أُسوة أمرِ غيره. فكذلك التعزِّي. وقولك عَزّيتُه، أي قلتُ له انظُرْ إلى غيرك ومن أصابَه مثلُ ما أصابك. والأصل هذا الذي ذكرناه. (عزب) العين والزاء والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تباعدٍ وتنَحٍّ. يقال: عَزَب يعزُبُ عُزُوباً. والعَزَب: الذي لا أهلَ لـه. وقد عَزب يَعْزُبُ عُزوبةً. قال العجّاج في وصف حمارِ الوحش: * شهراً وشهرين يسنّ عَزَبَا * وقالوا: والمعِزْابةُ: الذي طالت عُزْبته حتى ما لَه في الأهل مِن حاجة. يقال: عَزَب حِلْمُ فلانٍ، أي ذهب، وأعْزَبَ اللهُ حِلْمَه، أي أذهَبَه. قال الأعشى: * فأعزَبْتُ حِلمي بل هو اليومَ أعْزَبا * والعازب من الكلأ: البَعِيد المَطْلَب. قال أبو النجم: * وعازبٍ نَوَّرَ في خلائِه * وكلُّ شيء يفوتُك لا تَقْدِر عليه فقد عَزَب عنك. وأعزب القومُ: أصابوا عازباً من الكلأ. (عزر) العين والزاء والراء كلمتان: إحداهما التَّعظيم والنَّصر، والكلمة الأخرى جنسٌ من الضَّرب. فالأولى النَّصر والتوقير، كقوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح 9]. والأصل الآخر التَّعزير، وهو الضرب دون الحدّ. قال: وليس بتعزير الأمير خَزايةٌ *** عليَّ إذا ما كنتُ غيرَ مريبِ
(عسف) العين والسين والفاء كلماتٌ تتقارب ليست تدلُّ على خير إنما هي كالحَيْرة وقلّة البصيرة. قال الخليل: العَسْف: ركوب الأمر من غير تدبير، وركوبُ مفازةٍ بغير قَصْد. ومنه التعسُّف. قال ذو الرّمّة: *قد أعْسِفُ النّازحَ المجهولَ مَعْسِفُهُ *** في ظلِّ أخضَرَ يدعو هامَه البومُ والعَسِيفُ: الأجير؛ وما يبعدُ أن يكون من هذا القياس؛ لأنَّ ركوبَه في الأمور فيما يعانيه مخالفٌ لصاحب الأمور. وقال أبو دُوَاد: كالعَسيفِ المربوعِ شَلَّ جمالاً *** ما لـه دونَ منزلٍ من مَبيتِ وقد أومأ إلى المعنى، وأرى أنَّ البيتَ ليس بالصحيح. ونهى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل العُسَفاء، وهم الأُجَراء. وحديث آخر: "إنَّ ابني كانَ عسيفاً على هذا ". ويقال: إنَّ البعير العاسِفَ هو الذي بالموت، وهو كالنّزْع في الإنسان. ومما دلَّ على ما قُلناه في أمر العسيف قولُ الأصمعيّ: العَسيف: المملوك المُسْتَهان به الذي اعْتُسِف ليَخْدُمَ، أي قُهِر. وأنشد: أطعْتُ النَّفْسَ في الشَّهوات حَتى *** أعادتْنِي عسيفاً عبدَ عبْدِ وعُسْفان: موضع بالحجاز يقول فيه عنترة: كأنّها حِينَ صدَّت ما تكلِّمنا *** ظبيٌ بعُسْفانَ سَاجِي الطَّرْف مطروفُ (عسق) العين والسين والقاف أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على لُصوق الشيء بالشيء. قال الخليل: العَسَق: لُصوق الشيء بالشيء. يقال: عَسِق به عَسَقاً. وعَسِقَتِ الناقةُ بالفَحْل، أي أرَبَّت به. قال رؤبة: فعفَّ عن أسرارها بعدَ العَسَقْ *** ولم يُضِعْها بين فِرْكٍ وعَشَقْ ومن الباب: في خُلُقه عَسَقٌ، أي التواء وضِيقُ خلق. ويقال: "عَسِق بامرئٍ جُعَلُهُ". (عسك) العين والسين والكاف قريبٌ من الذي قبله. قال الخليل عَسِك به، إذا لزمَه، مثل سَدِك به. وأنشد الأصمعي: إذا شرَكُ الطريق تجشَّمَتْهُ *** عَسِكْنَ بجنبِهِ حذَر الإكامِ
(عسل) العين والسين واللام، الصحيح في هذا الباب أصلان، وبعدهما كلماتٌ إن صحّت. فالأول [من] الأصلين دالٌّ على الاضطراب، والثاني طعامٌ حُلْو، ويُشتقُّ منه. فالطَّعام العَسَل، معروف. والعَسَّالة: التي يتّخذ فيها النَّحْل العسلَ. والعاسل: صاحب العَسَل الذي يَشتاره من مَوضعِه يستخرجُه. وقال: * وأرْيِ دُبُورٍ شارَهُ النَّحْلَ عاسِلُ * وعَسَّل النَّحْلُ تعسيلاً. وفي تأنيث العسل قال: * بها عسلٌ طابت يَدَا من يَشُورُها * ومِمّا حُمل على هذا العُسيْلة. وفي الحديث: "حَتَّى يَذُوق عُسَيلَتَها وتذوقَ عُسيلتَه" إنما يُرَاد به الجِماع. ويقال خَلِيَّة عاسلة، وجنحٌ عاسل، أي كثير العسل. والجِنْح: شِقٌّ في الجبل. وقال الهذليّ: تَنَمَّى بها اليَعسوبُ حتى أقرَّها *** إلى مألَفٍ رَحْبِ المَبَاءةِ عاسِلِ ويقال للذي يَشْتارُه: عاسل. وفي الحديث: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً عَسَلَه"، وهو من هذا، ومعناه طيَّبَ ذِكرَه وحلاَّهُ في قلوب النّاس بالصَّالح من العمل. من قولك عَسَلْتُ الطَّعامَ، أي جعلتُ فيه عَسلاً. وفلانٌ معسول الخُلُق، أي طيِّبه. وعَسَلْتُ فلاناً: جَعلتُ زادَه العسل. والعرب تقول: "فلان ما يُعرَف له مَضْرِب عَسَلة"، أي لا يُعرَفُ له أصل. ومثله "لا يُعرَفُ له مَنْبِض عَسَلَة". والأصل الثاني: العَسَلانُ، وهو شِدّةُ اهتزازِ الرُّمح إذا هززتَه. يقال: عَسَل يَعْسِلُ عَسَلاناً، كما يُعْسِلُ الذّئبُ، إذا مَضى مُسرِعاً. والذِّئب عاسل، والجمعُ عُسَّل وعَواسل. ويقال رمحٌ عَسَّالٌ. وقال: * كلّ عَسّالٍ إذا هُزَّ عَسَلْ * وقال في الذِّئبِ: عَسَلاَنَ الذِّئبِ أمسى قارباً *** بَرَدَ اللّيلُ عليه فنَسَل وعَسَل الماء، إذا ضَربته الرِّيح فاضطَرب. وأنشد: * حَوْضاً كأنَّ ماءه إذا عَسَلْ * والدَّليل يَعْسِل في المفازة، إذا أسرع. وقال في ذلك: عَسَلْتُ بُعَيْدَ النَّوم حتى تقطَّعَتْ *** نفانِفُها واللّيلُ بالقومِ مُسْدِفُ وقال أبو عبيدة: يقال فرسٌ عاسل، إذا اضطربت مَعرفَتُهُ في سيره، وخفق رأسُه واطَّرد متنُه. هذا هو الصحيح غير المشكوكِ فيه، ومما قاله وما ندري كيف صحّتُه، بل إلى البُطلان* أقرب: العَسِيل: قضيبُ الفِيل. وزَعموا أن العَسِيل مِكنسة العَطّار يكسَح بها الطِّيب. وينشدون: * كنَاحِتِ يوماً صخرةٍ بعَسيلِ * (عسم) العين والسين والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على التواء ويُبْسٍ في عُضوٍ أو غيره. قال الخليل وغيرُه: العَسَمُ: يُبْسٌ في المِرْفَق تعَوجّ منه اليَدُ. يقال: عسِمَ الرَّجلُ فهو أعْسَم، والمرأة عَسْماء. قال الأصمعيُّ: في الكفِّ والقَدم العسَم، وهو أن يَيْبَس مَفصِل الرُّسغ حتَّى تعوجّ الكفُّ أو القَدَم. قال: في مَنكِبَيه وفي الأصلاب واهنَةٌ *** وفي مَفاصله غمْزٌ من العَسَمِ قال الكلابيّ: العَسْماء التي فيها انقلابٌ ويُبْس. ويقولون: العُسُوم: كِسَر: الخُبْز. وهذا قد رُوِي عن الخليل، ونُراه غلطاً. وهذا في باب الشِّين أصحّ، وقد ذُكِر. ومن الباب: عَسَمَ، إذا طَمِع في الشَّيء. والقياس صحيح، لأنَّ الطَّامعَ في الشَّيء يَميل إليه ويشتدُّ طلبُه لـه. ويقال عَسَمَ يَعْسِم، وهو من الكلمة التي قبلها، لأنّه لا يَكسِبه إلاّ بعد المَيْل إليه. قال الخليل: والرَّجُل يَعسِم في جماعةِ النّاس في الحرب: يركبُ رأسَه ويَرمي بنفسِه غيرَ مكترِثٍ. تقول: عَسَم بنَفْسِه، أي اقتَحَم. (عسن) العين والسين والنون أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على سِمَن وما قاربَه وأشبهه. قال الخليل: العَسن: نُجوع العَلَف والرَّعي في الدَّوابّ: يقال: عَسَنَتِ الإبلُ عَسْناً. وناس يقولون: عَسِنَت عَسَناً. ويقال إنَّ العُسُنَ: الشَّحم القديم. وقال الفرّاء: إذا بقيَتْ من شحم الدّابّة بقيَّةٌ فذلك العُسُن. ويقال: بعيرٌ حَسَن الإعسان. وأعْسَنَتِ الإبل على شحمٍ متقدِّمٍ كانَ بها. قال النَّمِر: ومُدَفَّع ذي فَرْوَتينِ هنَأْتُه *** إذ لا ترى في المعْسِنات صِرَارا وأمّا قولُهم: تَعَسَّنَ أباه، فهذا من باب الإبدال، والأصل فيه الهمز، وقد ذكر. ويقال: فلانٌ عِسْنُ مالٍ، إذا كان حسنَ القيام عليه، وهذا من الإبدال، كأنّ الأصل عسل، وقد ذُكِر. (عسو/ي) العين والسين والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على قوّةٍ واشتدادٍ في الشَّيء. يقال: عَسَا الشّيءُ يعسو، إذا اشتدّ. قال: * عَن صاملٍ عاسٍ إذا ما اصلَخْمَمَا * فالكلمات الثلاثُ في البيت متقاربةُ المعنى في الشِّدّة والقُوّة. ومن الباب: شيخٌ عاسٍ، [عَسَا] يعسو وعَسِيَ يَعْسَى. وذلك أنّه يكثُف منه ما كان من بشرَته لطيفاً. وربَّما اتَّسعوا في هذا حتى يقولوا: عَسَا الليل، إذا اشتدَّت ظُلمته، وهو بالغين أشْهر، أعنِي في اللّيل. ويقال: عَسَا النَّبات، إذا غلُظ واشتدّ. وقال في صفة الشيخ: * أشْعَث ضرب قد عسا أو قوَّسا * فأمَّا عَسى فكلمةُ ترجٍّ، تقول: عسى يكون كذا. وهي تدلُّ على قُربٍ وإمكان. وأهلُ العِلم يقولون: عَسَى من الله تعالى واجبٌ، في مثل قولِه تعالى: {عَسَى اللهُ أَنْ يَجعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة 7]. (عسب) العين والسين والباء كلماتٌ ثلاثٌ متفرِّدة بمعناها، لا يكاد يتفرَّع منها شيء. فالأولى: طَرْق الفَرَسِ وغيرِه، والثانية عَسِيب الذَّنَب، والثالثة نوعٌ من الأشياء التي تطير. فالأوَّل العَسْب، قالوا: هو طَرْق الفَرَسِ وغيرِه. ثمَّ حُمِل على ذلك حتَّى سُمِّي الكِراء الذي يؤخَذ على العَسْب. وفي الحديث أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عن عَسْب الفَحْل. فالعَسْب: الكِراء الذي يُؤخَذ على العَسْبِ، سمِّي باسمِه للمجاوَرَة. وقال زُهير: ولولا عَسْبُهُ لرَدَدْتُموه *** وشرُّ مَنيحةٍ فَحلٌ مُعارُ ومنه قول كثَيِّر: يُغادِرنَ عَسْب الوالقيِّ وناصحٍ *** تخصُّ به أمُّ الطّريقِ عِيالَها يصف خيلاً وأنّها أزْلَقت ما في بطونها من أولادها تعباً. والآخر عَسِيب الذَّنَب، وهو العَظم فيه مَنْبِت الشَّعْر. وشُبِّه [بِه] عسيبُ النَّخْلة. وهي الجريدةُ المستقيمةُ. تَشَابَهَا من طريقة الامتداد والاستقامة. يقال عَسِيبٌ وأعْسِبَةٌ وعُسُب. قال: يستلُّها جدولٌ كالسَّيف منصلِتٌ *** بين الأَشَاءِ تسامَى* حَولَه العُسبُ وعَسِيب الرِّيشَة مشبَّه بعَسِيب النخلة. والكلمة الثّالثة: اليَعْسوب، يَعْسوب النَّحل ملكُها. قال أبو ذُؤيب: تَنَمَّى بها اليعسوبُ حتَّى أقرَّها *** إلى مألَفٍ رَحْبِ المباءةِ عاسلِ والجمع يعاسيب. قال: زُرْقاً أسنّتُها حمراً مُثَقّفةً *** أطرافُهنَّ مَقِيلٌ لليعاسيبِ وزعموا أنَّ اليَعسوبَ: ضربٌ من الحَجَل أيضاً، وضربٌ من الجراد. وممَّا ليس من هذا الباب عَسِيبٌ: اسمُ جبلٍ، يقول فيه امرؤُ القيس: أجارتَنا إنّ المزارَ قريبُ *** وإنِّي مقيمٌ ما أقامَ عسيبُ (عسج) العين والسين والجيم. كلمة صحيحة يقال إن العَسْج مدّ العُنُق في المشْي. قال جميل: عَسَجْنَ بأعْناق الظباء وأعيُنِ الـ *** جآذر وارتجّت لهنَّ الروادفُ وقال ذو الرُّمَّة: والعِيسُ مِن عاسجٍ أو واسجٍ خَبَباً *** يُنْحَزْنَ في جانِبَيْها وهي تنسلبُ (عسد) العين والسين والدال ليس فيه ما يُعوَّل على صحَّته، إلاّ أَنَّهم يقولون: عَسَدَ، إذا جامَعَ. ويقولون العِسْوَدّة: دويْبَّة. وليس بشيء. (عسر) العين والسين والراء أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على صُعوبةٍ وشِدّة. فالعُسْر: نقيض اليُسْر. والإقلال أيْضاً عُسْرةٌ، لأنَّ الأمر ضيِّق عليه شديد. قال الله تعالى: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة 280]. والعَسَر: الخلاف والالتواء. ويقال: أمرٌ عَسِرٌ وعَسير. ويومٌ عَسير. وربَّما قالوا: رجُلٌ عَسِر. قال جرير: بِشْرٌ أبو مروانَ إنْ عاسرتَهُ *** عَسِرٌ وعند يَساره ميسورُ ويقولون: عَسُرَ الأمْرُ عُسْراً وعَسَراً أيضاً. وقالوا: "عليك بالمَيْسُور وأترُكْ ما عَسر". وأعسَرَ الرّجُل، إذا صارَ من مَيْسرة إلى عُسْرة. وعسَرْتُه أنا أعْسِرُه، إذا طالبتَه بدَينكَ وهو مُعْسِرٌ ولم تُنْظِرْه إلى مَيسرتِه. ويقال: عَسَّرْتُ عليه تعسيراً، إذا خالفْتَه. والعُسْرى: خلاف اليُسْرَى، وتعسَّر الأمر: التوى. ويقال لِلغَزْل إذا التَبَس فلم يُقدَر على تخليصه: قد تعَسَّر. وسمعت ابنَ أبي خالدٍ يقول: سمعت ثعلباً يقول: تعسَّر الأمرُ بالعين، وتَغَسَّر الغَزْل بالغين معجمة. ويقال: أعْسَرَتِ المرأةُ، إذا عسُرَ عليها وِلادُها. ويُدْعَى عليها فيقال: أعْسَرْتِ وآنَثْتِ. ويُدْعَى لها: أَيْسَرتِ وأذْكَرْت. ويقال: العَسير: النَّاقة إلى اعتاطَتْ واعتاصتْ فلم تحمِلْ عامَها. قال الأعشى: وعَسيرٍ أدماءَ حادِرة العيْـ *** نِ خَنُوفٍ عَيرانةٍ شِملالِ ويقال للنّاقة التي تُركَب قبل أن تُراضَ: عَوْسرانيَّة. وهذا ممّا قلنا إنّ زيادةَ حروفِه يدلُّ على الزِّيادة في المعنى. ويقال للذي يَعمل بِشِماله: أعْسَر. والعُسْرى، هي الشِّمال، وإِنَّما سمِّيت عُسْرى لأنّه يتعسَّر عليها ما يتيسَّر على اليُمْنى. فأمَّا تسميتهم إيّاها يُسْرى فيُرى أنّه على طريقة التَّفاؤُل، كما يقال للبَيْداء مفازة، وكما يقال للّديغ سَلِيم. والعاسِر من النُّوق إذا عَدَتْ رفعَتْ ذَنبَها. ولا أحسب ذلك يكون إلاَّ من عَسَرٍ في خُلُقها؛ والجمع عَواسِر. قال: * تكسّر أذناب القِلاصِ العَواسِرِ *
|